والقول الثاني : إن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل، وعلى هذا التقدير ففي الآية قولان : الأول : قال ابن عباس : الذين آتيناهم الكتاب هم الذين آمنوا بالرسول ﷺ من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب وأصحابهما ومن أسلم من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بأرض الحبشة وفرحوا بالقرآن، لأنهم آمنوا به وصدقوه والأحزاب بقية أهل الكتاب وسائر المشركين قال القاضي : وهذا الوجه أولى من الأول لأنه لا شبهة في أن من أوتي القرآن فإنهم يفرحون بالقرآن، أما إذا حملناه على هذا الوجه ظهرت الفائدة ويمكن أن يقال : إن الذين أوتوا القرآن يزداد فرحهم به لما رأوا فيه من العلوم الكثيرة والفوائد العظيمة، فلهذا السبب حكى الله تعالى فرحهم به.
والثاني : والذين آتيناهم الكتاب اليهود أعطوا التوارة، والنصارى أعطوا الإنجيل، يفرحون بما أنزل في هذا القرآن، لأنه مصدق لما معهم ومن الأحزاب من سائر الكفار من ينكر بعضه، وهو قول مجاهد.
قال القاضي : وهذا لا يصح، لأن قوله :﴿يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ يعم جميع ما أنزل إليه، ومعلوم أنهم لا يفرحون بكل ما أنزل إليه ويمكن أن يجاب فيقال إن قوله :﴿بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ﴾ لا يفيد العموم بدليل جواز ادخال لفظتي الكل والبعض عليه، ولو كانت كلمة "ما" للعموم لكان إدخال لفظ الكل عليه تكريراً وإدخال لفظ البعض عليه نقصاً.
ثم إنه تعالى لما بين هذا جمع كل ما يحتاج المرء إليه في معرفة المبدأ والمعاد في ألفاظ قليلة منه فقال :﴿قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَابِ﴾ وهذا الكلام جامع لكل ما ورد التكليف به، وفيه فوائد : أولها : أن كلمة "إنما" للحصر ومعناه إني ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى، وذلك يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك.