وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجبال ﴾
هذا متصل بقوله :﴿ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [ الرعد : ٢٧ ].
وذلك أن نفراً من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزوميّان جلسوا خلف الكعبة، ثم أرسلوا إلى رسول الله ﷺ فأتاهم ؛ فقال له عبد الله : إن سرّك أن نتبعك فسَيِّر لنا جبال مكة بالقرآن، فأَذْهبها عنّا حتى تنفسح ؛ فإنها أرض ضيّقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، حتى نغرس ونزرع ؛ فلستَ كما زعمتَ بأهون على ربك من داود حين سخّر له الجبال تسير معه، وسَخِّر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها مِيرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا ؛ فقد كان سليمان سخّرت له الريح كما زعمتَ ؛ فلستَ بأهون على ربك من سليمان بن داود، وأَحْيِ لنا قُصَيّا جدّك، أو من شئتَ أنت من موتانا نسأله ؛ أحقُّ ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على الله منه ؛ فأنزل الله تعالى :"وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ" الآية ؛ قال معناه الزّبير بن العوام ومجاهد وقَتَادة والضّحاك ؛ والجواب محذوف تقديره : لكان هذا القرآن، لكن حذف إيجازاً، لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه ؛ كما قال امرؤ القيس :
فَلَوْ أَنَّهَا نَفْسٌ تَموتُ جَمِيعةً...
ولكِنَّها نفسٌ تَسَاقَطُ أَنْفُسَا
يعني لهان عليّ ؛ هذا معنى قول قَتَادة ؛ قال : لو فَعَل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم.
وقيل : الجواب متقدم، وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا.
الفراء : يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن.