قال أبو بكر الأنباريّ : روي عن عِكرمة عن ابن أبي نَجيح أنه قرأ "أفلم يتبين الذين آمنوا" وبها احتج من زعم أنه الصواب في التلاوة ؛ وهو باطل عن ابن عباس، لأن مجاهداً وسعيد بن جُبَير حكيا الحرف عن ابن عباس، على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جُبَير عن ابن عباس ؛ ثم إن معناه : أفلم يتبين ؛ فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها، وتأتي بتأويلها، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا ؛ وأَمَّا سقوطه يبطل القرآن، ولزوم أصحابه البهتان.
﴿ أَن لَّوْ يَشَآءُ الله ﴾ "أَنْ" مخففة من الثقيلة، أي أنه لو يشاء الله ﴿ لَهَدَى الناس جَمِيعاً ﴾ وهو يردّ على القَدَرية وغيرهم.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوّهم، ويقال : قرعه أمر إذا أصابه، والجمع قَوارِع ؛ والأصل في القرع الضرب ؛ قال :
أَفْنَى تِلاَدِي وَمَا جَمَّعْتُ مِن نَشَبٍ...
قَرْعُ الْقَوَاقِيزِ أَفْوَاهَ الأَبَارِيقِ
أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أَرْبَدَ أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء ؛ كما نزل بالمستهزئين، وهم رؤساء المشركين.
وقال عِكرِمة عن ابن عباس : القارعة النكبة.
وقال ابن عباس أيضاً وعكْرمة : القارعة الطلائع والسرايا التي كان يُنفِذها رسول الله ﷺ لهم.
﴿ أَوْ تَحُلُّ ﴾ أي القارعة.
﴿ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾ قاله قتادة والحسن.
وقال ابن عباس : أو تَحُلّ أنت قريباً من دارهم.
وقيل : نزلت الآية بالمدينة ؛ أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كَقُرى المدينة ومكة.
﴿ حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله ﴾ في فتح مكة ؛ قاله مجاهد وقتادة.


الصفحة التالية
Icon