واعلم أني سأنتقم من هؤلاء الكفار كما انتقمت من أولئك المتقدمين والإملاء الإمهال وأن يتركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى، وهذا وعيد لهم وجواب عن اقتراحهم الآيات على رسول الله ﷺ على سبيل الاستهزاء، ثم إنه تعالى أورد على المشركين ما يجري مجرى الحجاج وما يكون توبيخاً لهم وتعجيباً من عقولهم فقال :﴿أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾ والمعنى : أنه تعالى قادر على كل الممكنات عالم بجميع المعلومات من الجزئيات والكليات وإذا كان كذلك كان عالماً بجميع أحوال النفوس، وقادراً على تحصيل مطالبها من تحصيل المنافع ودفع المضار ومن إيصال الثواب إليها على كل الطاعات، وإيصال العقاب إليها على كل المعاصي.
وهذا هو المراد من قوله :﴿قائم على كل نفس بما كسبت﴾ وما ذاك إلا الحق سبحانه ونظيره قوله تعالى :﴿قائماً بالقسط﴾ [ آل عمران : ١٨ ].
واعلم أنه لا بد لهذا الكلام من جواب واختلفوا فيه على وجوه :
الوجه الأول : التقدير :﴿أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾ كمن ليس بهذه الصفة ؟ وهي الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وهذا الجواب مضمر في قوله تعالى :﴿وجعلوا لله شركاء﴾ والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت كشركائهم التي لا تضر ولا تنفع، ونظيره قوله تعالى :﴿أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه﴾ وما جاء جوابه لأنه مضمر في قوله :﴿فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله﴾ [ الزمر : ٢٢ ] فكذا ههنا، قال صاحب "الكشاف" : يجوز أن يقدر ما يقع خبراً للمبتدأ، أو يعطف عليه قوله :﴿وجعلوا﴾ والتقدير : أفمن هو بهذا الصفة لم يوحدوه ولم يمجدوه وجعلوا له شركاء.


الصفحة التالية
Icon