الوجه الثاني : وهو الذي ذكره السيد صاحب "حل العقد" فقال : نجعل الواو في قوله :﴿وجعلوا﴾ واو الحال ونضمر للمبتدأ خبراً يكون المبتدأ معه جملة مقررة لإمكان ما يقارنها من الحال، والتقدير :﴿أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾ موجود.
والحال أنهم جعلوا له شركاء ثم أقيم الظاهر وهو قوله ( لله ) مقام المضمر تقريراً للإلهية وتصريحاً بها، وهذا كما تقول : جواد يعطي الناس ويغنيهم موجود ويحرم مثلي.
واعلم أنه تعالى لما قرر هذه الحجة زاد في الحجاج فقال :﴿قل سموهم﴾ وإنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم، فعند ذلك يقال : سمه إن شئت.
يعني أنه أخس من أن يسمى ويذكر، ولكنك إن شئت أن تضع له اسماً فافعل، فكأنه تعالى قال : سموهم بالآلهة على سبيل التهديد، والمعنى : سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها، ثم زاد في الحجاج فقال :﴿أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض﴾ والمراد : أتقدرون على أن تخبروه وتعلموه بأمر تعلمونه وهو لا يعلمه، وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها، وإن لم يكن شريك ألبته، لأنهم ادعوا أن له شركاء في الأرض لا في غيرها ﴿أم بظاهر من القول﴾ يعني تموهون بإظهار قول لا حقيقة له، وهو كقوله تعالى :﴿ذلك قولهم بأفواههم﴾ [ التوبة : ٣٠ ] ثم إنه تعالى بين بعد هذا الحجاج سوء طريقتهم فقال على وجه التحقير لما هم عليه :﴿بل زين للذين كفروا مكرهم﴾ قال الواحدي : معنى ( بل ) ههنا كأنه يقول : دع ذكر ما كنا فيه زين لهم مكرهم، وذلك لأنه تعالى لما ذكر الدلائل على فساد قولهم، فكأنه يقول : دع ذكر الدليل فإنه لا فائدة فيه، لأنه زين لهم كفرهم ومكرهم فلا ينتفعون بذكر هذه الدلائل.