قال القاضي : لا شبهة في أنه تعالى إنما ذكر ذلك لأجل أن يذمهم به، وإذا كان كذلك امتنع أن يكون ذلك المزين هو الله، بل لا بد وأن يكون إما شياطين الإنس وإما شياطين الجن.
واعلم أن هذا التأويل ضعيف لوجوه : الأول : أنه لو كان المزين أحد شياطين الجن أو الإنس فالمزين في قلب ذلك الشيطان إن كان شيطاناً آخر لزم التسلسل، وإن كان هو الله فقد زال السؤال، والثاني : أن يقال : القلوب لا يقدر عليها إلا الله، والثالث : أنا قد دللنا على أن ترجيح الداعي لا يحصل إلا من الله تعالى وعند حصوله يجب الفعل.
أما قوله :﴿وصدوا عن السبيل﴾ فاعلم أنه قرأ عاصم وحمزة والكسائي ﴿وصدوا﴾ بضم الصاد وفي حم ﴿وصدوا عن السبيل﴾ [ النساء : ١٦٧ ] على ما لم يسم فاعله بمعنى أن الكفار صدهم غيرهم، وعند أهل السنة أن الله صدهم.
وللمعتزلة فيه وجهان : قيل الشيطان، وقيل أنفسهم وبعضهم لبعض كما يقال : فلان معجب وإن لم يكن ثمة غيره وهو قول أبي مسلم والباقون، وصدوا بفتح الصاد في السورتين يعني أن الكفار صدوا عن سبيل الله، أي أعرضوا وقيل : صرفوا غيرهم، وهو لازم ومتعد، وحجة القراءة الأولى مشاكلتها لما قبلها من بناء الفعل للمفعول، وحجة القراءة الثانية قوله :﴿الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله﴾ [ النساء : ١٦٧ ].
ثم قال :﴿ومن يضلل الله فما له من هاد﴾ اعلم أن أصحابنا تمسكوا بهذه الآية من وجوه : أولها : قوله :﴿بل زين للذين كفروا مكرهم﴾ وقد بينا بالدليل أن ذلك المزين هو الله.
وثانيها : قوله :﴿وصدوا عن السبيل﴾ بضم الصاد، وقد بينا أن ذلك الصاد هو الله.
وثالثها : قوله :﴿ومن يضلل الله فما له من هاد﴾ وهو صريح في المقصود وتصريح بأن ذلك المزين وذلك الصاد ليس إلا الله.