والقول الثاني : وهو أيضاً منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوله :﴿نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ المراد : موت أشرافها وكبرائها وعلمائها وذهاب الصلحاء والأخيار، وقال الواحدي : وهذا القول، وإن احتمله اللفظ، إلا أن اللائق بهذا الموضع هو الوجه الأول.
ويمكن أن يقال هذا الوجه أيضاً لا يليق بهذا الموضع، وتقريره أن يقال : أولم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات خراب بعد عمارة، وموت بعد حياة، وذل بعد عز، ونقص بعد كمال، وإذا كانت هذه التغيرات مشاهدة محسوسة فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر على هؤلاء الكفرة فيجعلهم ذليلين بعد أن كانوا عزيزين، ويجعلهم مقهورين بعد أن كانوا قاهرين، وعلى هذا الوجه فيحسن اتصال هذا الكلام بما قبله، وقيل :﴿نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ بموت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم فهؤلاء الكفرة كيف أمنوا من أن يحدث فيهم أمثال هذه الوقائع ؟
ثم قال تعالى مؤكداً لهذا المعنى :﴿والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ﴾ معناه : لا راد لحكمه، والمعقب هو الذي يعقبه بالرد والإبطال، ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يعقب غريمه بالاقتضاء والطلب.
فإن قيل : ما محل قوله :﴿لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ ﴾.
قلنا : هو جملة محلها النصب على الحال كأنه قيل : والله يحكم نافذاً حكمه خالياً عن المدافع والمعارض والمنازع.
ثم قال :﴿وَهُوَ سَرِيعُ الحساب﴾ قال ابن عباس : يريد سريع الانتقام يعني أن حسابه للمجازاة بالخير والشر يكون سريعاً قريباً لا يدفعه دافع.
أما قوله :﴿وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ يعني أن كفار الأمم الماضية قد مكروا برسلهم وأنبيائهم مثل نمروذ مكر بإبراهيم، وفرعون مكر بموسى، واليهود مكروا بعيسى.


الصفحة التالية
Icon