ثم قال :﴿فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا﴾ قال الواحدي : معناه أن مكر جميع الماكرين له ومنه، أي هو حاصل بتخليقه وإرادته، لأنه ثبت أن الله تعالى هو الخالق لجميع أعمال العباد، وأيضاً فذلك المكر لا يضر إلا بإذن الله تعالى ولا يؤثر إلى بتقديره، وفيه تسلية للنبي ﷺ وأمان له من مكرهم، كأنه قيل له : إذا كان حدوث المكر من الله وتأثيره من الممكور به أيضاً من الله وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله تعالى وأن لا يكون الرجاء إلا من الله تعالى، وذهب بعض الناس إلى أن المعنى : فلله جزاء المكر، وذلك لأنهم لما مكروا بالمؤمنين بين الله تعالى أنه يجازيهم على مكرهم.
قال الواحدي : والأول أظهر لقولين بدليل قوله :﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ يريد أن اكساب العباد بأسرها معلومة لله تعالى وخلاف المعلوم ممتنع الوقوع، وإذا كان كذلك فكل ما علم الله وقوعه فهو واجب الوقوع، وكل ما علم الله عدمه كان ممتنع الوقوع، وإذا كان كذلك فلا قدرة للعبد على الفعل والترك، فكان الكل من الله تعالى.
قالت المعتزلة : الآية الأولى إن دلت على قولكم فالآية الثانية وهي قوله :﴿يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ دلت على قولنا، لأن الكسب هو الفعل المشتمل على دفع مضرة أو جلب منفعة، ولو كان حدوث الفعل بخلق الله تعالى لم يكن لقدرة العبد فيه أثر، فوجب أن لا يكون للعبد كسب.
وجوابه : أن مذهبنا أن مجموع القدرة مع الداعي مستلزم للفعل وعلى هذا التقدير فالكسب حاصل للعبد.
ثم إنه تعالى أكد ذلك التهديد فقال :﴿وَسَيَعْلَمْ الكافر لِمَنْ عُقْبَى الدار﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو :﴿وَسَيَعْلَمْ الكافر﴾ على لفظ المفرد والباقون على الجمع قال صاحب "الكشاف" قرىء :( الكفار، والكافرون، والذين كفروا، والكفر ) أي أهله قرأ جناح بن حبيش :( وسيعلم الكافر ) من أعلمه أي سيخبر.