ومعناه : أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بأنهم لا يؤمنون ﴿ أَن لَّوْ يَشَاء الله لَهَدَى الناس جَمِيعًا ﴾ يعني : إنهم لم يكونوا أهلاً لذلك، فلم يهدهم.
وروى ابن أبان بإسناده عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ ﴿ أَفَلَمْ يَتَبَيَّنَ ﴾ فقيل له :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ ﴾ فقال : إني لأَرى الكاتب كتبها وهو ناعس.
وروي في خبر آخر أن نافع بن الأزرق، سأل ابن عباس عن قوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ ﴾ قال : أفلم يعلم.
قال : وهل تعرف العرب ذلك.
قال ابن عباس : نعم أما سمعت قول مالك بن عوف وهو يقول :
قد يئس الأقوام أني أنا ابنه.
.. وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
ثم قال :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ ﴾ يعني : أهل مكة ﴿ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ يعني : نكبة وشدة.
ويقال : القارعة داهية تقرع.
ويقال : لكل مهلكة قارعة.
ويقال : نازلة تنزل لأمر شديد.
فالمراد هنا سرية من سرايا رسول الله ﷺ تأتيهم، وتصيبهم من ذلك شدة ﴿ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مّن دَارِهِمْ ﴾ يعني : تنزل أنت يا محمد بجماعة أصحابك قريباً من دارهم، يعني : من مكة، وذلك أن النبي ﷺ سار بجنوده حتى أتى عسفان، ثم بعث مائتي راكب حتى انتهوا قريباً من مكة، ثم قال :﴿ حتى يَأْتِىَ وَعْدُ الله ﴾ يعني : فتح مكة.
قالوا : هذه الآية مدنية.
ثم قال :﴿ إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد ﴾ أي : بفتح مكة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ ﴾ كما استهزأ بك قومك ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني : أمهلتهم بعد الاستهزاء، ولم أعاقبهم ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ﴾ بالعذاب عند المعصية بالتكذيب، فأهلكتهم ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ يعني : فكيف رأيت إنكاري وتعبيري عليهم بالعذاب.