وقال الخطيب الشربينى فى الآيات السابقة :
﴿أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق﴾
أي : يؤمن به ويعمل بما فيه، وهو حمزة أو عمار رضي الله تعالى عنهما. ﴿كمن هو أعمى﴾، أي : أعمى البصيرة ولا يؤمن به ولا يعمل بما فيه وهو أبو جهل، قال ابن الخازن في تفسيره : وحمل الآية على العموم أولى، وإن كان السبب مخصوصاً، والمعنى : لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن هو لا يبصر الحق ولا يتبعه، وإنما شبه الكافر والجاهل بالأعمى ؛ لأنّ الأعمى لا يهتدي لرشد ﴿إنما يتذكر﴾، أي : يتعظ ﴿أولو الألباب﴾، أي : أصحاب العقول الذين يطلبون من كل صورة معناها، ويأخذون من كل قشرة لبابها، ويعبرون من ظاهر كل حديث إلى سره ولبابه.
﴿الذين يوفون بعهد الله﴾، أي : ما عاقدوه على أنفسهم من الاعتراف بربوبيته حين قالوا : بلى، أو ما عهد الله تعالى عليهم في كتبه. ﴿ولا ينقضون الميثاق﴾، أي : ما واثقوه من المواثيق بينهم وبين الله تعالى، وبينهم وبين العباد، فهو تعميم بعد تخصيص.
﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾، أي : من الإيمان والرحم وغير ذلك، والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم. عن أبي موسى أنّ عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الدرداء فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله ﷺ يقول : فيما يحكي عن ربه تعالى :"أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته، أو قال : بتته". وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله ﷺ "الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله". وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ ﷺ قال :"من سره أن يبسط في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه". ومعنى ينسأ يؤخر، والمراد به تأخير الأجل، وفيه قولان:
أحدهما وهو المشهور : أنه يزاد في عمره زيادة حقيقية.


الصفحة التالية
Icon