والأمثلة حاضرة، وفي مصارع الغابرين عبرة، بعد الإنظار والإمهال :
﴿ ولقد أستهزئ برسل من قبلك، فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم، فكيف كان عقاب؟ ﴾.
وهو سؤال لا يحتاج إلى جواب. فلقد كان عقاباً تتحدث به الأجيال!!!
والقضية الثانية هي قضية الشركاء. وقد أثيرت في الشطر الأول من السورة كذلك. وهي تثار هنا في سؤال تهكمي حين تقرن هذه الشركاء إلى الله القائم على كل نفس، المجازي لها بما كسبت في الحياة. وتنتهي هذه الجولة بتصوير العذاب الذي ينتظر المفترين لهذه الفرية في الدنيا والعذاب الأشق في الآخرة. وفي مقابلة ما ينتظر المتقين من أمن وسلام!
﴿ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ وجعلوا لله شركاء. قل : سموهم. أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض؟ أم بظاهر من القول؟ بل زين للذين كفروا مكرهم، وصدوا عن السبيل، ومن يضلل الله فما له من هاد. لهم عذاب في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشق، وما لهم من الله من واق ﴾..
﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها. تلك عقبى الذين اتقوا. وعقبى الكافرين النار ﴾..
والله سبحانه رقيب على كل نفس، مسيطر عليها في كل حال، عالم بما كسبت في السر والجهر. ولكن التعبير القرآني المصور يشخص الرقابة والسيطرة والعلم في صورة حسية على طريقة القرآن صورة ترتعد لها الفرائص :
﴿ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ﴾.
فلتتصور كل نفس أن عليها حارساً قائماً عليها مشرفاً مراقباً يحاسبها بما كسبت. ومن؟ إنه الله! فأية نفس لا ترتعد لهذه الصورة وهي في ذاتها حق، إنما يجسمها التعبير للإدراك البشري الذي يتأثر بالحسيات أكثر مما يتأثر بالتجريديات.
أفذلك كذلك؟ ثم يجعلون لله شركاء؟! هنا يبدو تصرفهم مستنكراً مستغرباً في ظل هذا المشهد الشاخص المرهوب.
﴿ وجعلوا لله شركاء ﴾..
الله القائم على كل نفس بما كسبت، لا تفلت منه ولا تروغ.