إن الفريق الصادق من أهل الكتاب في الاستمساك بدينه، يجد في هذا القرآن مصداق القواعد الأساسية في عقيدة التوحيد ؛ كما يجد الاعتراف بالديانات التي سبقته وكتبها، ودرسها مع الإكبار والتقدير، وتصور الآصرة الواحدة التي تربط المؤمنين بالله جميعاً. فمن ثم يفرحون ويؤمنون. والتعبير بالفرح هنا حقيقة نفسية في القلوب الصافية وهو فرح الالتقاء على الحق، وزيادة اليقين بصحة ما لديهم ومؤازرة الكتاب الجديد له..
﴿ ومن الأحزاب من ينكر بعضه ﴾..
الأحزاب من أهل الكتاب والمشركين.. ولم يذكر السياق هذا البعض الذي ينكرونه، لأنه الغرض هو ذكر هذا الإنكار للرد عليه :
﴿ قل : إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به. إليه أدعوا وإليه مآب ﴾..
فله وحده العبادة، وإليه وحده الدعوة، وله وحده المآب.
وقد أمر الرسول ﷺ أن يعلن منهجه في مواجهة من ينكر بعض الكتاب، وهو استمساكه الكامل بكامل الكتاب الذي أنزل إليه من ربه، سواء فرح به أهل الكتاب كله، أم أنكر فريق منهم بعضه. ذلك أن ما أنزل إليه هو الحكم الأخير، نزل بلغته العربية وهو مفهوم له تماماً، وإليه يرجع ما دام هو حكم الله الأخير في العقيدة :
﴿ وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ﴾..
﴿ ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من واق ﴾.
فالذي جاءك هو العلم اليقين، وما يقوله الأحزاب أهواء لا تستند إلى علم أو يقين. وهذا التهديد الموجه إلى الرسول ﷺ أبلغ في تقرير هذه الحقيقة، التي لا تسامح في الانحراف عنها، حتى ولو كان من الرسول، وحاشاه عليه الصلاة والسلام.
وإذا كان هناك اعتراض على بشرية الرسول فقد كان الرسل كلهم بشراً :
﴿ ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية ﴾.
وإذا كان الاعتراض بأنه لم يأت بخارقة مادية، فذلك ليس من شأنه إنما هو شأن الله :
﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾..