ولتعريف الناس بربهم الحق، ونفي كل شبهة شرك، يعنى المنهج القرآني ببيان طبيعة الرسالة، وطبيعة الرسول.. ذلك أن انحرافات كثيرة في التصور الاعتقادي جاءت لأهل الكتاب من قبل، من جراء الخلط بين طبيعة الألوهية وطبيعة النبوة وبخاصة في العقائد النصرانية حيث خلعت على عيسى عليه السلام خصائص الألوهية وخصائص الربوبية ؛ ودخل أتباع شتى الكنائس في متاهة من الخلافات العقيدية المذهبية بسبب ذلك الخلط المنافي للحقيقة.
ولم تكن عقائد النصارى وحدهم هي التي دخلت في تلك المتاهة ؛ فقد خبطت شتى الوثنيات في ذلك التيه ؛ وتصورت للنبوة صفات غامضة ؛ بعضها يصل بين النبوة والسحر! وبعضها يصل بين النبوة والتنبؤات الكشفية! وبعضها يصل بين النبوة والجن والأرواح الخفية!
وكثير من هذه التصورات كان يخالج الوثنية العربية.. من أجل هذا كان بعضهم يطلب من الرسول ﷺ أن ينبئهم بالغيب! وبعضهم كان يقترح أن يصنع لهم خوارق مادية معينة! كما أنهم كانوا يرمونه ﷺ بأنه ساحر، وبأنه " مجنون " أي على صلة بالجن! بعضهم كان يطلب أن يكون معه ملك... إلى آخر هذه المقترحات والتحديات والاتهامات التي كانت متلبسة بالتصورات الوثنية عن طبيعة النبي وطبيعة النبوة!
ولقد جاء هذا القرآن ليجلي الحقيقة كاملة عن طبيعة النبوة وطبيعة النبي ؛ وعن طبيعة الرسالة وطبيعة الرسول ؛ وعن حقيقة الألوهية المتمثلة في الله وحده سبحانه وحقيقة العبودية التي تشمل كل ما خلق الله وكل من خلق ؛ ومنهم أنبياء الله ورسله ؛ فهم عباد صالحون ؛ وليسوا خلقاً آخر غير البشر ؛ وليس لهم من خصائص الألوهية شيء ؛ وليسوا على اتصال بعوالم الجن والخفاء المسحور! إنما هو الوحي من الله سبحانه وليس لهم وراءه شيء من القدرة على الخوارق إلا بإذن الله حين يشاء فهم بشر من البشر، وقع عليهم الاختيار، وبقيت لهم بشريتهم وعبوديتهم لله سبحانه كبقية خلق الله.