وفي هذه السورة نماذج من تجلية طبيعة النبوة والرسالة ؛ وحدود النبي والرسول ؛ وتخليص العقول والأفكار من رواسب الوثنيات كلها ؛ وتحريرها من تلك الأساطير التي أفسدت عقائد أهل الكتاب من قبل ؛ وردتها إلى الوثنية بأوهامها وأساطيرها!
وقد كانت تلك التجلية تواجه تحديات المشركين الواقعية ؛ ولم تكن جدلاً ذهنياً، ولا بحثاً فلسفياً " ميتافيزيقياً "... كانت " حركة " تواجه " الواقع " وتجاهده مجاهدة واقعية :
﴿ ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه! إنما أنت منذر، ولكل قوم هاد ﴾ * ﴿ ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه! قل : إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب ﴾.. * ﴿ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك، وهم يكفرون بالرحمن، قل : هو ربي، لا إله إلا هو، عليه توكلت، وإليه متاب ﴾..
* ﴿ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله، لكل أجل كتاب ﴾..
* ﴿ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾..
وهكذا تتجلى طبيعة الرسالة وحدود الرسول.. إنما هو منذر، ليس عليه إلا البلاغ وليس له إلا أن يتلو ما أوحي إليه، وما كان له أن يأتي بخارقة إلا بإذن لله. ثم هو عبد لله، الله ربه، وإليه متابه ومآبه ؛ وهو بشر من البشر يتزوج وينسل ؛ ويزاول بشريته كاملة بكل مقتضيات البشرية ؛ كما يزاول عبوديته لله كاملة بكل مقتضيات العبودية..


الصفحة التالية
Icon