وبهذه النصاعة الكاملة في العقيدة الإسلامية تنتهي تلك الأوهام والأساطير المهِّومة في الفضاء والظلام، حول طبيعة النبوة وطبيعة النبي، وتخلص العقيدة من تلك التصورات المحيرة التي حفلت بها العقائد الكنسية كما حفلت بها شتى العقائد الوثنية ؛ والتي قضت على " المسيحية " منذ القرن الأول لها أن تكون إحدى العقائد الوثنية في طبيعتها وحقيقتها، بعد ما كانت عقيدة سماوية على يد المسيح عليه السلام ؛ تجعل المسيح عبداً لله ؛ لا يأتي بآية إلا بإذن الله.
ولا ننتهي من هذه الوقفة قبل أن نلم بتلك اللفته البارزة في قوله تعالى :
﴿ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾..
إن هذا القول إنما يقال للنبي ﷺ الرسول الذي أوحي إليه من ربه.
وكلف مخاطبة الناس بهذه العقيدة.. وخلاصة هذا القول : إن أمر هذا الدين ليس إليه هو، ومآل هذه الدعوة ليس من اختصاصه! إنما عليه البلاغ وليس عليه هداية الناس. فالله وحده هو الذي يملك الهداية. سواء حقق الله بعض وعده له من مصير القوم أو أدركه الأجل قبل تحقيق وعد الله، فهذا أو ذاك لا يغير من طبيعة مهمته.. البلاغ.. وحسابهم بعد ذلك على الله.. وليس بعد هذا تجريد لطبيعة الداعية وتحديد لمهمته. فواجبه محدد، والأمر كله في هذه الدعوة وفي كل شيء آخر لله.