بذلك يتعلم الدعاة إلى الله أن يتأدبوا في حق الله! إنه ليس لهم أن يستعجلوا النتائج والمصائر.. ليس لهم أن يستعجلوا هداية الناس، ولا أن يستعجلوا وعد الله ووعيده للمهتدين وللمكذبين.. ليس لهم أن يقولوا : لقد دعونا كثيراً فلم يستجب لنا إلا القليل ؛ أو لقد صبرنا طويلاً فلم يأخذ الله الظالمين بظلمهم ونحن أحياء!.. إنْ عليهم البلاغ.. أما حساب الناس في الدنيا أو في الآخرة فهذا ليس من شأن العبيد. إنما هو من شأن الله! فينبغي تأدباً في حق الله واعترافاً بالعبودية له أن يترك له سبحانه، يفعل فيه ما يشاء ويختار..
والسورة مكية.. من أجل ذلك تحدد فيها وظيفة الرسول ﷺ " بالبلاغ ".. ذلك أن " الجهاد " لم يكن بعد قد كتب. فأما بعد ذلك فقد أمر بالجهاد بعد البلاغ وهذا ما تنبغي ملاحظته في الطبيعة الحركية لهذا الدين. فالنصوص فيه نصوص حركية ؛ مواكبه لحركة الدعوة وواقعها ؛ وموجهة كذلك لحركة الدعوة وواقعها.. وهذا ما تغفل عنه كثرة " الباحثين " في هذا الدين في هذا الزمان. وهم يزاولون " البحث " ولا يزاولون " الحركة " فلا يدركون من ثم مواقع النصوص القرآنية، وارتباطها بالواقع الحركي لهذا الدين!
وكثيرون يقرأون مثل هذا النص :﴿ إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾ ثم يأخذون منه أن مهمة الدعاة إلى الله تنتهي عند البلاغ. فإذا قاموا " بالتبليغ " فقد أدوا ما عليهم!.. أما " الجهاد "! فلا أدري والله أين مكانه في تصور هؤلاء!
كما أن كثيرين يقرأون مثل هذا النص، فلا يلغون به الجهاد، ولكن يقيدونه!.. دون أن يفطنوا إلى أن هذا نص مكي نزل قبل فرض الجهاد. ودون أن يدركوا طبيعة ارتباط النصوص القرآنية بحركة الدعوة الإسلامية. ذلك أنهم هم لا يزاولون الحركة بهذا الدين ؛ إنما هم يقرأونه في الأوراق وهم قاعدون! وهذا الدين لا يفقهه القاعدون. فما هو بدين القاعدين!


الصفحة التالية
Icon