على أن " البلاغ " يظل هو قاعدة عمل الرسول، وقاعدة عمل الدعاة بعده إلى هذا الدين.
وهذا البلاغ هو أول مراتب الجهاد. فإنه متى صح، واتجه إلى تبليغ الحقائق الأساسية في هذا الدين قبل الحقائق الفرعية.. أي متى اتجه إلى تقرير الألوهية والربوبية والحاكمية لله وحده منذ الخطوة الأولى ؛ واتجه إلى تعبيد الناس لله وحده، وقصر دينونتهم عليه وخلع الدينونة لغيره.. فإن الجاهلية لا بد أن تواجه الدعاة إلى الله، المبلغين التبليغ الصحيح، بالإعراض والتحدي، ثم بالإيذاء والمكافحة.. ومن ثم تجئ مرحلة الجهاد في حينها، نتاجاً طبيعياً للتبليغ الصحيح لا محالة ﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين، وكفى بربك هادياً ونصيراً ﴾ هذا هو الطريق.. وليس هنالك غيره من طريق!
ثم نقف من السورة أمام معلم آخر، وهي تقرر كلمة الفصل في العلاقة بين اتجاه " الإنسان " وحركته وبين تحديد مآله ومصيره ؛ وتقرير أن مشيئة الله به إنما تتحقق من خلال حركته بنفسه ؛ وذلك مع تقرير أن كل حدث إنما يقع ويتحقق بقدر من الله خاص.. ومجموعة النصوص الخاصة بهذا الموضوع في السورة كافية بذاتها لجلاء النظرة الإسلامية في هذه القضية الخطيرة.. وهذه نماذج منها كافية :
* ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال ﴾..
* ﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم وبئس المهاد ﴾..
* ﴿ قل : إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب. الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ﴾..
* ﴿ أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً؟! ﴾..
* ﴿ بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل، ومن يضلل الله فما له من هاد ﴾..