وواضح من النص الأول من هذه النصوص أن مشيئة الله في تغيير حال قوم إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء القوم بأنفسهم، وتغيير اتجاهها وسلوكها تغييراً شعورياً وعملياً. فإذا غير القوم ما بأنفسهم اتجاهاً وعملاً غير الله حالهم وفق ما غيروا هم من أنفسهم.. فإذا اقتضى حالهم أن يريد الله بهم السوء مضت إرادته ولم يقف لها أحد، ولم يعصمهم من الله شيء، ولم يجدوا لهم من دونه ولياً ولا نصيراً.
فأما إذا هم استجابوا لربهم، وغيروا ما بأنفسهم بهذه الاستجابة، فإن الله يريد بهم الحسنى، ويحقق لهم هذه الحسنى في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعاً، فإذا لم يستجيبوا أراد بهم السوء، وكان لهم سوء الحساب، ولم تغن عنهم فدية إذا جاءوه غير مستجيبين يوم الحساب!
وواضح من النص الثاني أن الاستجابة أو عدم الاستجابة راجعة إلى اتجاههم وحركتهم ؛ وأن مشيئة الله بهم إنما تتحقق من خلال هذه الحركة وذلك الاتجاه.
أما النص الثالث فإن مطلعه يتحدث عن طلاقة مشيئة الله في إضلال من يشاء. ولكن عقب النص :﴿ ويهدي إليه من أناب.. الخ ﴾ يقرر أن الله سبحانه يقضي بالهدى لمن ينيب إليه ؛ فيدل هذا على أنه إنما يضل من لا ينيب ومن لا يستجيب، ولا يضل منيباً ولا مستجيباً. وذلك وفق وعده سبحانه في قوله :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ﴾ فهذه الهداية وذلك الإضلال هما مقتضى مشيئته سبحانه بالعباد. هذه المشيئة التي تجري وتتحقق من خلال تغيير العباد ما بأنفسهم، والاتجاه إلى الاستجابة أو الإعراض.


الصفحة التالية
Icon