الإيمان العلمي بالغيب ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله ﴾ قالوا : ذكر النفس باللسان والتفكر في النعم، وذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة صفات الجمال، وذكر السر بالمناجاة، وذكر الروح بالمشاهدة، وذكر الخفاء بالمناغاة في العشق، وذكر الله تعالى بالفناء فيه ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب ﴾ [ الرعد : ٢٨ ] وذلك أن النفس تضطرب بظهور صفاتها وأحاديثها وتطيش فيتلون القلب ويتغير لذلك فإذا تفكر في الملكوت ومطالعة أنوار الجمال والجبروت استقر واطمأن، وسائر أنواع الذكر إنما يكون بعد الاطمنان، قال الهزجوري : قلوب الأولياء مطمئنة لا تتحرك دائماً خشية أن يتجلى الله تعالى عليها فجأة فيجدها غير متسمة بالأدب ﴿ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ تخلية وتحلية ﴿ طوبى لَهُمْ ﴾ بالوصول إلى الفطرة وكمال الصفات
﴿ وَحُسْنُ مَئَابٍ ﴾ [ الرعد : ٢٩ ] بالدخول في جنة القلب وهي جنة الصفات أو طوبى لهم الآن حيث لم يوجد منهم ما يخالف رضاء محبوبهم وحسن مآب في الآخرة حيث لا يجدون من محبوبهم خلاف مأمولهم ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [ الرعد : ٣٣ ] أي بحسب كسبها ومقتضاه أي كما تقتضي مكسوباتها من الصفات والأحوال التي تعرض لاستعدادها يفيض عليها من الجزاء ﴿ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ ﴾ [ الرعد : ٣٦ ] ما أخرج سبحانه أحداً من العبودية حتى سيد أحرار البرية ﷺ، وفسرها أبو حفص بأنها ترك كل ملك وملازمة المأمور به.


الصفحة التالية
Icon