﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ فإنه أظهر على رسالتي، من الحجج القاطعة والبينات الساطعة، وما فيه مندوحة عن شهادة شاهد آخر. قيل : جعل هذا شهادة ( وهو فعل والشهادة قول ) على سبيل الاستعارة ؛ لأنه يغني عن الشهادة بل هو أقوى. انتهى. ولا يخفى أن الشهادة أعم من القول والفعل. على أن المراد من تلك الججج هي آيات القرآن والذكر الحكيم، وهي كلامه تعالى، وقد قال تعالى :﴿ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي ﴾ [ يونس : ٥٣ ].
وقوله تعالى :﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ أي : ومن هو من علماء أهل الكتاب فإنهم يجدون صفة النبي ﷺ ونعته في كتابهم من بشارات الأنبياء به. كما قال تعالى :﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ] وقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ ﴾ [ الشعراء : ١٩٧ ].
ويروى عن مجاهد أنه عنى بـ :﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ عبد الله بن سلام. ونوقش بأن السورة مكية، وإسلامه كان بالمدينة. وأجاب البعض بأن بعض السور المكية ربما وجد في مدني وبالعكس، وكأن هذه الآية من ذلك.
وقد روى الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في " دلائل النبوة " : أن عبد الله بن سلام أسلم قبل الهجرة، حيث رحل إلى مكة قبلها، واستيقن نبوته صلوات الله عليه. ثم آب إلى المدينة وكتم إسلامه إلى أن كانت الهجرة. والله أعلم. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ٩ صـ ٢٩٧ ـ ٣٠٠﴾


الصفحة التالية
Icon