وقال ابن عاشور :
﴿ وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠) ﴾
عطف على جملة ﴿ يمحوا الله ما يشاء ويثبت ﴾ [ الرعد : ٣٩ ] باعتبار ما تفيده من إبهام مراد الله في آجال الوعيد ومواقيت إنزال الآيات، فبينت هذه الجملة أن النبي ليس مأموراً بالاشتغال بذلك ولا بترقبه وإنما هو مبلّغ عن الله لعباده والله يعلم ما يحاسب به عباده سواء شهد النبي ذلك أم لم يشهده.
وجعل التوفي كناية عن عدم رؤية حلول الوعيد بقرينة مقابلته بقوله : نرينك }.
والمعنى : ما عليك إلا البلاغ سواء رأيت عذابهم أم لم تره.
وفي الإتيان بكلمة ﴿ بعض ﴾ إيماء إلى أنه يرى البعض.
وفي هذا إنذار لهم بأن الوعيد نازل بهم ولو تأخر ؛ وأن هذا الدين يستمر بعد وفاة رسول الله ﷺ لأنه إذا كان الوعيد الذي أمر بإبلاغه واقعاً ولو بعد وفاته فبالأولى أن يكون شرعه الذي لأجله جاء وعيد الكافرين به شرعاً مستمراً بعده، ضرورة أن الوسيلة لا تكون من الأهمية بأشدّ من المقصد المقصودة لأجله.
وتأكيد الشرط بنون التوكيد و ﴿ مَا ﴾ المزيدة بعد ﴿ إنْ ﴾ الشرطية مراد منه تأكيد الربط بين هذا الشرط وجوابه وهو ﴿ إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾.
على أن نون التوكيد لا يقترن بها فعل الشرط إلاّ إذا زيدت ﴿ ما ﴾ ؛ بعد ﴿ إن ﴾ الشرطية فتكون إرادة التأكيد مقتضية لاجتلاب مؤكدين، فلا يكون ذلك إلا لغرض تأكيد قويّ.
وقد أرى الله نبيئه بعض ما توعد به المشركين من الهلاك بالسيف يوم بدر ويوم الفتح ويوم حنين وغيرها من أيام الإسلام في حياة النبي ﷺ ولم يُرِهِ بعضه مثل عذاب أهل الردة فإن معظمهم كان من المكذبين المبطنين الكفر مثل : مسيلمة الكذاب.


الصفحة التالية
Icon