لما كان قوله :﴿ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ [ سورة الرعد : ٤١ ] تهديداً وإنذاراً مثل قوله :﴿ فقد جاء أشراطها ﴾ [ محمد : ١٨ ] وهو إنذار بوعيد على تظاهرهم بطلب الآيات وهم يضمرون التصميم على التكذيب والاستمرار عليه.
شبه عملهم بالمكر وشبه بعمل المكذبين السابقين كقوله :﴿ ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ﴾ [ سورة الأنبياء : ٦ ].
وفي هذا التشبيه رمز إلى أن عاقبتهم كعاقبة الأمم التي عَرفوها.
فنقص أرض هؤلاء من أطرافها من مكر الله بهم جزاء مكرهم، فلذلك أعقب بقوله : وقد مكر الذين من قبلهم } أي كما مكر هؤلاء.
فجملة ﴿ وقد مكر الذين من قبلهم ﴾ حال أو معترضة.
وجملة ﴿ فللَّه المكر جميعاً ﴾ تفريع على جملة ﴿ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ [ الرعد : ٤١ ] وجملة ﴿ والله يحكم لا معقب لحكمه ﴾ [ الرعد : ٤١ ].
والمعنى : مكَرَ هؤلاء ومكرَ الذين من قبلهم وحل العذاب بالذين من قبلهم فمكر الله بهم وهو يمكر بهؤلاء مكراً عظيماً كما مكر بمن قبلهم.
وتقديم المجرور في قوله : فللَّه المكر جميعاً } للاختصاص، أي له لا لغيره، لأن مكره لا يدفعه دافع فمكر غيره كلاَ مكر بقرينة أنه أثبت لهم مكراً بقوله :﴿ وقد مكر الذين من قبلهم ﴾.
وهذا بمعنى قوله تعالى :﴿ والله خير الماكرين ﴾.
وأكد مدلول الاختصاص بقوله :﴿ جميعاً ﴾ وهو حال من المكر.
وتقدم في قوله تعالى :﴿ إليه مرجعكم جميعاً في [ سورة يونس : ٤ ].
وإنما جعل جميع المكر لله بتنزيل مكر غيره منزلة العدم، فالقصر في قوله : فللَّه المكر ﴾
ادعائي، والعموم في قوله :﴿ جميعاً ﴾ تنزيليّ.


الصفحة التالية
Icon