وجملة ﴿ يعلم ما تكسب كل نفس ﴾ بمنزلة العلة لجملة ﴿ فللَّه المكر جميعاً ﴾، لأنه لما كان يعلم ما تكسب كل نفس من ظاهر الكسب وباطنه كان مكره أشد من مكر كل نفس لأنه لا يفوته شيء مما تضمره النفوس من المكر فيبقى بعض مكرهم دون مقابلة بأشد منه فإن القوي الشديد الذي لا يعلم الغيوب قد يكون عقابه أشد ولكنه قد يفوقه الضعيف بحيلته.
وجملة ﴿ وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ﴾ عطف على جملة ﴿ فللَّه المكر جميعاً ﴾.
والمراد بالكافر الجنس، أي الكفار، و ﴿ عقبى الدار ﴾ تقدم آنفاً، أي سيعلم عقبى الدار للمؤمنين لا للكافرين، فالكلام تعريض بالوعيد.
وقرأ الجمهور :﴿ وسيعلم الكافر ﴾ بإفراد الكافر.
وقرأه ابن عامر، وعاصم، وحمزة والكسائي، وخلف ﴿ وسيعلم الكفار ﴾ بصيغة الجمع.
والمفرد والجمع سواء في المعرف بلام الجنس.
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣) ﴾
عطف على ما تضمنته جملة ﴿ وقد مكر الذين من قبلهم ﴾ [ الرعد : ٤٢ ] من التعريض بأن قولهم : لولا أنزل عليه آية من ربه [ سورة الأنعام : ٣٧ ] ضَرْب من المكر بإظهارهم أنهم يتطلبون الآيات الدالة على صدق الرسول، مظهرين أنهم في شك من صدقه وهم يبطنون التصميم على التكذيب.
فذكرت هذه الآيةُ أنهم قد أفصحوا تارات بما أبطنوه فنطقوا بصريح التكذيب وخرجوا من طور المكر إلى طور المجاهرة بالكفر فقالوا : لست مرسلاً }.
وقد حكي قولهم بصيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك منهم ولاستحضار حالهم العجيبة من الاستمرار على التكذيب بعد أن رأوا دلائل الصدق، كما عبر بالمضارع في قوله تعالى :﴿ ويصنع الفلك ﴾ [ سورة هود : ٣٨ ] وقوله :﴿ يجادلنا في قوم لوط ﴾ [ سورة هود : ١١ ].
ولما كانت مقالتهم المحكية هنا صريحة لا مواربة فيها أمر الرسول بجواب لا جدال فيه وهو تحكيم الله بينه وبينهم.


الصفحة التالية
Icon