يعدد الله نعمه على البشر كافة، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، برهم وفاجرهم، طائعهم وعاصيهم. وإنها لرحمة من الله وسماحة وفضل أن يتيح للكافر والفاجر والعاصي نعمة في هذه الأرض، كالمؤمن والبار والطائع: لعلهم يشكرون. ويعرض هذه النعمة في أضخم مجالي الكون وأبرزها، ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة:
(الله الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم ; وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. إن الإنسان لظلوم كفار)..
وفي إرسال الرسل للناس نعمة تعدل تلك أو تربو عليها:
(كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور)..
والنور أجل نعم الله في الوجود. والنور هنا هو النور الأكبر. النور الذي يشرق به كيان الإنسان، ويشرق به الوجود في قلبه وحسه.. وكذلك كانت وظيفة موسى في قومه. ووظيفة الرسل كما بينتها السورة.
وفي قول الرسل مجتمعين:
(يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم)..
والدعوة لأجل الغفران نعمة تعدل نعمة النور، وهي منه قريب..
وفي جو الحديث عن النعمة يذكر موسى قومه بأنعم الله عليهم:
(وإذ قال موسى لقومه: اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم).
وفي هذا الجو يذكر وعد الله للرسل:
(فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم. ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد)..
وهي نعمة من نعم الله الكثار الكبار.
ويبرز السياق حقيقة زيادة النعمة بالشكر:
(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)..
مع بيان أن الله غني عن الشكر وعن الشاكرين:
(إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد).


الصفحة التالية
Icon