قال أبو المعالي : وهذا كله تخبط، وإنما هو أجله الذي سبق في القضاء أنه يموت فيه على تلك الصفة، فمحال أن يقع غير ذلك، فإن فرضنا أنه لو لم يقتله وفرضنا مع ذلك أن علم الله سبق بأنه لا يقتله، بقي أمره في حيز الجواز في أن يعيش أو يقتل، وكيفما كان علم الله تعالى يسبق فيه.
وقول الكفرة ﴿ إن أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ فيه استبعاد بعثة البشر، وقال بعض الناس : بل أرادوا إحالته، وذهبوا مذهب البراهمة أو من يقول من الفلاسفة : إن الأجناس لا يقع فيها هذا التباين.
قال القاضي أبو محمد : وظاهر كلامهم لا يقتضي أنهم أغمضوا هذا الإغماض، ويدل على ما ذكرت أنهم طلبوا منهم الإتيان بآية، و﴿ سلطان مبين ﴾، ولو كانت بعثتهم عندهم محالاً لما طلبوا منهم حجة، ويحتمل أن طلبهم منهم السلطان إنما هو على جهة التعجيز، أي بعثتكم محال وإلا ﴿ فأتونا بسلطان مبين ﴾، أي إنكم لا تفعلون ذلك أبداً، فيتقوى بهذا الاحتمال منحاهم إلى مذهب الفلاسفة.
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾
المعنى : صدقتم في قولكم، أي بشر مثلكم في الأشخاص والخلقة لكن تبايننا بفضل الله ومنه الذي يختص به من يشاء.
قال القاضي أبو محمد : ففارقوهم في المعنى بخلاف قوله تعالى :﴿ كأنهم حمر ﴾ [ المدثر : ٥٠ ] فإن ذلك في المعنى لا في الهيئة.
وقوله :﴿ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان ﴾ هذه العبارة إذا قالها الإنسان عن نفسه أو قيلت له فيما يقع تحت مقدوره - فمعناها النهي والحظر، وإن كان ذلك فيما لا قدرة له عليه - فمعناها نفي ذلك الأمر جملة، وكذا هي آيتنا، وقال المهدوي لفظها لفظ الحظر ومعناها النفي.


الصفحة التالية
Icon