ثم إن الرسل ذكروا بعد إنكارهم على الكفار ما يؤكد ذلك الإنكار من الشواهد الدالة على عدم الشك في وجوده سبحانه ووحدانيته، فقالوا :﴿ فَاطِرَ السموات والأرض ﴾ أي : خالقهما ومخترعهما ومبدعهما وموجدهما بعد العدم ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ إلى الإيمان به وتوحيده ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ قال أبو عبيدة :" من " زائدة، ووجه ذلك قوله في موضع آخر ﴿ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً ﴾ [ الزمر : ٥٣ ].
وقال سيبويه : هي للتبعيض، ويجوز أن يذكر البعض ويراد منه الجميع ؛ وقيل : التبعيض على حقيقته، ولا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد ﷺ غفران جميعها لغيرهم.
وبهذه الآية احتج من جوّز زيادة " من " في الإثبات.
وقيل :" من " للبدل وليست بزائدة ولا تبعيضية، أي : لتكون المغفرة بدلاً من الذنوب ﴿ وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي : إلى وقت مسمى عنده سبحانه، وهو الموت فلا يعذبكم في الدنيا ﴿ قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا ﴾ أي : ما أنتم إلاّ بشر مثلنا في الهيئة والصورة، تأكلون وتشربون كما نأكل ونشرب، ولستم ملائكة ﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا ﴾ وصفوهم بالبشر أوّلاً، ثم بإرادة الصدّ لهم عما كان يعبد آباؤهم ثانياً أي : تريدون أن تصرفونا عن معبودات آبائنا من الأصنام ونحوها ﴿ فَأْتُونَا ﴾ إن كنتم صادقين بأنكم مرسلون من عند الله ﴿ بسلطان مُّبِينٍ ﴾ أي : بحجة ظاهرة تدل على صحة ما تدّعونه، وقد جاؤهم بالسلطان المبين والحجة الظاهرة، ولكن هذا النوع من تعنتاتهم، ولون من تلوناتهم.
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ ﴾ أي : ما نحن في الصورة والهيئة إلاّ بشر مثلكم كما قلتم ﴿ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ أي : يتفضل على من يشاء منهم بالنبوّة.