وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبأون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى، كقول السحرة لفرعون حين آمنوا ﴿ لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ﴾ [ سورة الشعراء : ٥٠ ].
وتقديم المجرور في قوله : وعلى الله فليتوكل المؤمنون } مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصراً من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم.
وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله.
والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر.
والفاء في قوله :﴿ فليتوكل المؤمنون ﴾ رابطة لجملة ( ليتوكل المؤمنون ) بما أفادهُ تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام.
والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون، وإن خشيتم هؤلاء المُكذّبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوّهم.
وهذا كقوله تعالى :﴿ وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ﴾ كما تقدم في سورة العقود ( ٢٣ ).
والتوكّل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح، فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءَه من خير الدنيا والآخرة.
وقد تقدم الكلام على التوكّل عند قوله تعالى :﴿ فإذا عزمت فتوكل على الله ﴾ في سورة آل عمران ( ٥٩ ).
وجملة وما لنا ألا نتوكل على الله } استدلال على صدق رأيهم في تفويض أمرهم إلى الله، لأنهم رأوا بوارق عنايته بهم إذ هداهم إلى طرائق النجاة والخير، ومبادىء الأمور تدل على غاياتها.
وأضافوا السبل إلى ضميرهم للاختصار لأن أمور دينهم صارت معروفة لدى الجميع فجمعها قولهم :﴿ سبلنا ﴾.
﴿ وما لنا ألا نتوكل ﴾ استفهام إنكاري لانتفاء توكلهم على الله، أتوا به في صورة الإنكار بناءً على ما هو معروف من استحماق الكفار إيّاهم في توكلهم على الله، فجاءوا بإنكار نفي التوكل على الله، ومعنى ﴿ وما لنا ألا نتوكل ﴾ ما ثبت لنا من عدم التوكل، فاللام للاستحقاق.