ولو نظرت إلى الشمس وسألتَ نفسك ؛ كم من الأجيال قد استمتعوا بدفْئها واستفادوا منها ؛ فمن المؤكَّد أنك لن تعرف عدد الأجيال ؛ لأن الشمس مخلوقة من قَبْل خَلْق البشر، وكل إنسان يستمتع بالشمس ويستفيد منها عدد سنوات حياته، ثم يذهب إلى الموت.
ونجد المفسر الجليل الفخر الرازي يضرب المَثل الذي لا يمكن أن يُنكِره أحد، ويدلُّ على الفطرة في الإيمان، ويُوضِّح أن الحق سبحانه لم يُمهل الإنسان إلى أنْ ينضجَ عقله ليشعر بضرورة الإيمان، ويضرب المثل بطفل صغير تسلَّل، وضرب شقيقه ؛ هنا لا بُدَّ أن يلتفتَ الشقيق ليكتشف مَنِ الذي ضربه ؛ لأن الإنسان من البداية يعلم أنْ لا شيءَ يحدث إلا وله فاعل.
وهَبْ أن طفلاً جاء ليجد شقيقه جالساً على كرسي، وهو يريد أن يجلس على نفس الكرسي ؛ هنا سيقوم الطفل بشدِّ وجَذْب أخيه من على الكرسي ليجلس هو، وكأنه اكتشف بالفطرة أن اثنين لا يمكن أن يستوعبهما حَيِّز واحد.
وهكذا يتوصل الإنسان بالفطرة إلى معرفة أن هناك خالقاً أوحد. وهكذا نجد قوله الحق :
﴿ فَاطِرِ السماوات والأرض... ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
هو الآية الكونية الواسعة.
ويأتي من بعد ذلك بالقول :
﴿ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ.
.. ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
وهذا القول يدل على الرحمة والحكمة والقدرة والحنان ؛ وهو هنا يقول :
﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
ولم يَقُلْ : يغفر لكم ذنوبكم ؛ ذلك أنه يخاطب الكفار ؛ بينما يقول سبحانه حين يخاطب المؤمنين :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ... ﴾ [ الصف : ١٠-١٢ ].