وهكذا لا يساوي الحقُّ سبحانه في خطابه بين المؤمنين والكافرين.
أو : أن المقصود من قوله :
﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ... ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
هو غفران الكبائر : ذلك أن صغائر الذنوب إنما يغفرها أداء الفرائض والعبادات ؛ فنحن نعلم أن الرسول ﷺ قال :" الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر ".
ويتابع سبحانه :
﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى... ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
وكلنا نعرف أن الأجل هو الزمن المضروب والمُقرر للحدثِ. وإن شاء الحق سبحانه الإبادة فنجد ما يدل عليه قوله الحق :﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض ﴾ [ القصص : ٨١ ].
كما فعل مع قارون.
أو : أن قوله :﴿ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى... ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ] مقصود به يوم القيامة.
ولكن الكفار أهل لَدَد وعناد، لذلك نجد قولهم :
﴿ قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ].
وهكذا يعلن أهل الكفر لرسلهم أنهم يُفضِّلون أن يكونوا أهل تقليد للآباء، ولو أنهم فكَّروا لَعِلموا أن التقليد لو شاع في المجتمعات لَما ارتقى أحدٌ عن آبائه وأجداده، فالعالم يتطور من تمرُّد جيل على جيل سابق، فلماذا يُصِرّ هؤلاء الكافرون على أن يحتفظوا بتقليد الآباء والأجداد؟
وإذا كان الأبناء يتطورون في كل شيء، فلماذا يحتفظ هؤلاء الكفار بتقليد الآباء في العقائد؟
ولا يكتفي أهل الكُفْر بذلك، بل يطلبون أن يأتيَ لهم الرسل بسلطان مبين، والسلطان يُطلق مرَّة على القهر على الفعل، ويكون الفاعل المقهور كارهاً للفعل.


الصفحة التالية
Icon