والرابع : أنا قد دللنا على أن مقدمة هذه الآية وهو قوله :﴿لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ [ إبراهيم : ١ ] يدل على مذهب العدل، وأيضاً مؤخرة الآية يدل عليه، وهو قوله :﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ فكيف يكون حكيماً من كان خالقاً للكفر والقبائح ومريداً لها، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل قوله :﴿فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاءُ وَيَهْدِى مَن يَشَاءُ﴾ على أنه تعالى يخلق الكفر في العبد، فوجب المصير إلى التأويل، وقد استقصينا ما في هذه التأويلات في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [ البقرة : ٢٦ ] ولا بأس بإعادة بعضها، فالأول : أن المراد بالإضلال : هو الحكم بكونه كافراً ضالاً كما يقال : فلان يكفر فلاناً ويضلله، أي يحكم بكونه كافراً ضالاً، والثاني : أن يكون الإضلال عبارة عن الذهاب بهم عن طريق الجنة إلى النار، والهداية عبارة عن إرشادهم إلى طريق الجنة.
والثالث : أنه تعالى لما ترك الضال على إضلاله ولم يتعرض له صار كأنه أضله، والمهتدي لما أعانه بالألطاف صار كأنه هو الذي هداه.
قال صاحب "الكشاف" : المراد بالإضلال : التخلية ومنع الألطاف وبالهداية التوفيق واللطف.
والجواب عن قولهم أولاً أن قوله تعالى :﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ لا يليق به أن يضلهم.
قلنا : قال الفراء : إذا ذكر فعل وبعده فعل آخر، فإن كان الفعل الثاني مشاكلاً للأول نسقته عليه، وإن لم يكن مشاكلاً له استأنفته ورفعته.


الصفحة التالية
Icon