الوجه الخامس : لعل أولئك الأنبياء كانوا قبل إرسالهم على ملة من الملل، ثم إنه تعالى أوحى إليهم بنسخ تلك الملة وأمرهم بشريعة أخرى وبقي الأقوام على تلك الشريعة التي صارت منسوخة مصرين على سبيل الكفر، وعلى هذا التقدير فلا يبعد أن يطلبوا من الأنبياء أن يعودوا إلى تلك الملة.
الوجه السادس : لا يبعد أن يكون المعنى : أو لتعودن في ملتنا، أي إلى ما كنتم عليه قبل إدعاء الرسالة من السكوت عن ذكر معايبة ديننا وعدم التعرض له بالطعن والقدح وعلى جميع هذه الوجوه فالسؤال زائل، والله أعلم.
واعلم أن الكفار لما ذكروا هذا الكلام قال تعالى :﴿فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ﴾ قال صاحب "الكشاف" :﴿لَنُهْلِكَنَّ الظالمين﴾ حكاية تقتضي إضمار القول أو إجراء الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه، وقرأ أبو حيوة :﴿ليهلكن الظالمين وليسكننكم﴾ بالياء اعتباراً لأوحى فإن هذا اللفظ لفظ الغيبة ونظيره قولك أقسم زيد ليخرجن ولأخرجن، والمراد بالأرض ﴿أَرْضُ الظالمين وديارهم﴾ ونظيره قوله :﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الأرض ومغاربها﴾ [ الأعراف : ١٣٧ ] ﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وديارهم﴾ [ الأحزاب : ٢٧ ] وعن النبي ﷺ :
" من آذى جاره أورثه الله داره " واعلم أن هذه الآية تدل على أن من توكل على ربه في دفع عدوه كفاه الله أمر عدوه.