ثم قال تعالى :﴿ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ﴾ فقوله ذلك إشارة إلى أن ما قضى الله تعالى به من إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم أثر ذلك الأمر حق لمن خاف مقامي وفيه وجوه : الأول : المراد موقفي وهو موقف الحساب، لأن ذلك الموقف موقف الله تعالى الذي يقف فيه عباده يوم القيامة، ونظيره قوله :﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ﴾ [ النازعات : ٤٠ ] وقوله :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ] الثاني : أن المقام مصدر كالقيامة، يقال : قام قياماً ومقاماً، قال الفراء : ذلك لمن خاف قيامي عليه ومراقبتي إياه كقوله :﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [ الرعد : ٣٣ ].
الثالث :﴿ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى﴾ أي إقامتي على العدل والصواب فإنه تعالى لا يقضي إلا بالحق ولا يحكم إلا بالعدل وهو تعالى مقيم على العدل لا يميل عنه ولا ينحرف ألبتة.
الرابع :﴿ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى﴾ أي مقام العائذ عندي وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول، الخامس :﴿ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى﴾ أي لم خافني، وذكر المقام ههنا مثل ما يقال : سلام الله على المجلس الفلاني العالي والمراد : سلام الله على فلان فكذا ههنا.
ثم قال تعالى :﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ قال الواحدي : الوعيد اسم من أوعد إيعاداً وهو التهديد.
قال ابن عباس : خاف ما أوعدت من العذاب.
واعلم أنه تعالى ذكر أولاً قوله :﴿ذلك لِمَنْ خَافَ مَقَامِى﴾ ثم عطف عليه قوله :﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ فهذا يقتضي أن يكون الخوف من الله تعالى مغايراً للخوف من وعيد الله، ونظيره : أن حب الله تعالى مغاير لحب ثواب الله، وهذا مقام شريف عال في أسرار الحكمة والتصديق.
ثم قال :﴿واستفتحوا﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :