للاستفتاح ههنا معنيان : أحدهما : طلب الفتح بالنصرة، فقوله :﴿واستفتحوا﴾ أي واستنصروا الله على أعدائهم، فهو كقوله :﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الفتح﴾ [ الأنفال : ١٩ ].
والثاني : الفتح الحكم والقضاء، فقول ربنا :﴿واستفتحوا﴾ أي واستحكموا وسألوه القضاء بينهم، وهو مأخوذ من الفتاحة وهي الحكومة كقوله :﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾ [ الأعراف : ٨٩ ].
إذا عرفت هذا فنقول : كلا القولين ذكره المفسرون.
أما على القول الأول فالمستفتحون هم الرسل، وذلك لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم :﴿قَالَ نُوحٌ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً﴾ [ نوح : ٢٦ ] وقال موسى :﴿رَبَّنَا اطمس﴾ [ يونس : ٨٨ ] الآية.
وقال لوط :﴿رَبّ انصرنى عَلَى القوم المفسدين﴾ [ العنكبوت : ٣٠ ] وأما على القول الثالث : وهو طلب الحكمة والقضاء فالأولى أن يكون المستفتحون هم الأمم وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا، ومنه قول كفار قريش :
﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء﴾ [ الأنفال : ٣٢ ].
وكقول آخرين ﴿ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [ العنكبوت : ٢٩ ].
المسألة الثانية :
قال صاحب "الكشاف" : قوله :﴿واستفتحوا﴾ معطوف على قوله :﴿فأوحى إِلَيْهِمْ﴾ وقرىء واستفتحوا بلفظ الأمر وعطفه على قوله :﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ أي أوحى إليهم ربهم، وقال لهم :﴿لَنُهْلِكَنَّ﴾ وقال لهم ﴿استفتحوا ﴾.
ثم قال تعالى :﴿واستفتحوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :