﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤) ﴾
قوله تعالى :﴿ ذلك ﴾ : مبتدأٌ، وهو مُشارٌ به إلى توريثِ الأرضِ. و " لِمَنْ خاف " الخبر. و " مَقامي " فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها : أنه مُقْحمٌ وهو بعيدٌ ؛ إذ الأسماءُ لا تُقْحم. الثاني : أنه مصدرٌ مضافٌ للفاعل.
قال الفراء :" مَقامي : مصدرٌ [ مضافٌ ] لفاعِله، أي : قيامي عليه بالحِفْظ ". الثالث : أنه اسمُ مكانٍ. قال الزجاج :" مكان وقوفِه بين يَدَي الحسابِ، كقولِه ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [ الرحمن : ٤٦ ].
قوله :" وَعِيْد " أثبت الياءَ هنا وفي ( ق ) في موضعين :﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ الآية : ١٤ ] ﴿ فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ الآية : ٤٥ ] وصلاً وحَذَفَها وَقْفاً ورشٌ عن نافع، وحذفها الباقون وَصْلاً ووقفاً.
﴿ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) ﴾
قوله تعالى :﴿ واستفتحوا ﴾ : العامَّةُ على " استفتحوا " فعلاً ماضياً، وفي ضميرِه أقوالٌ، أحدُها : أنه عائدٌ على الرسلِ الكرام، ومعنى الاستفتاحِ : الاستنصارُ :﴿ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح ﴾ [ الأنفال : ١٩ ]. وقيل : طَلَبُ الحكم من الفُتاحة. الثاني : أن يعودَ على الكفَّار، أي : استفتح أُمَمُ الرسلِ عليهم، كقولِه :﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ]. وقيل : عائدٌ على الفريقين لأنَّ كُلاًّ طلبَ النصرَ على صاحبِه. وقيل : يعودُ على قريشٍ لأنهم في سِنِي الجَدْبِ اسْتَمْطَرُوْا فلم يُمْطِروا، وهو على هذا مستأنفٌ، وأمَّا على غيرِه من الأقوال فهو عطفٌ على قولِه ﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ ﴾.