ويقال :﴿ وَاسْتَفْتَحُوا ﴾ : بغير الرسل، ولما وجد الرسل إصرارَ قومهم سألوا النصرة عليهم من الله كقول نوح - عليه السلام :﴿ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾ [ نوح : ٢٦ ]، وقول موسى عليه السلام :﴿ رَبَّنَا اطمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [ يوسف : ٨٨ ] فأجابهم الله بإهلاكهم.
ويقال إذا اشتد البلاءُ وصَدَقَ الدعاءُ قَرُبَ النَّجاء.
قوله جلّ ذكره :﴿ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾.
لفظ " وراء " يقع على ما بين يديه وعلى ما خَلْف، والوراء ما توارى عليك أي استتر ؛ يريد الكافر يأتيه العذاب فيما بين يديه من الزمان، وعلى ما خَلْفَه ؛ أي لأجل ما سلف من الماضي من قبيح أفعاله، ويُسْقَى من النار ما يشربه جرعة بعد جرعة، فلصعوبته مرارته لا يشربه مرةً واحدةً.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَأْتِيِهِ المَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾.
يرى العذابَ- من شدته - في كل عضو، وفي كل وقت، وفي كل مكان وليس ذلك الموت ؛ لأنَّ أهلَ النار لا يموتون، ولكنه في الشدة كالموت. ثم ﴿ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ : وهو الخلود في النار، وهذا جزاء مَنْ اغترَّ بأيامٍ قلائل ساعدته المشيئةُ فيها، وانخدع فلم يشرع بما يليها.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨) ﴾


الصفحة التالية
Icon