﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ ﴾ هذا ابتداء خبره "أَجَزِعْنَا" أي :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ أي من مهرب وملجأ.
ويجوز أن يكون بمعنى المصدر، وبمعنى الاسم ؛ يقال : حَاصَ فلان عن كذا أي فرّ وزاغ يَحِيص حَيْصاً وحُيُوصاً وحَيَصَاناً ؛ والمعنى : ما لنا وجه نتباعد به عن النار.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال :" يقول أهل النار إذا اشتد بهم العذاب تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا هَلُمَّ فلنجزع فيجزعون ويصيحون خمسمائة عام فلما رأوا أن ذلك لا ينفعهم قالوا "سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ" ".
وقال محمد بن كعب القُرَظيّ : ذُكِر لنا أن أهل النار يقول بعضهم لبعض : يا هؤلاء! قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلمّ فلنصبر ؛ فلعلّ الصّبر ينفعنا كما صبر أهل الطّاعة على طاعة الله فنفعهم الصّبر إذ صبروا ؛ فأجمعوا رأيهم على الصّبر فصبروا، فطال صبرهم فجزعوا، فنادوا :"سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص" أي مَنجَى، فقام إبليس عند ذلك فقال :﴿ إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي فَلاَ تَلُومُونِي ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ ﴾ يقول : لست بمغنٍ عنكم شيئاً ﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ﴾ الحديث بطوله، وقد كتبناه في كتاب "التذكرة" بكماله. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon