وقال أبو حيان :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾
الجزع : عدم احتمال الشدة، وهو نقيض الصبر.
قال الشاعر :
جزعت ولم أجزع من البين مجزعاً...
وعذبت قلباً بالكواعب مولعا
﴿ ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز.
وبرزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ﴾
: قرأ السلمي ألم تر بسكون الراء، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وتوجيه آخر وهو أنْ ترى حذفت العرب ألفها في قولهم : قام القوم ولو تر ما زيد، كما حذفت ياء لا أبالي في لا أبال، فلما دخل الجازم تخيل أنّ الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في : لا أبالي لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة.
والرؤية هنا بمعنى العلم، فهي من رؤية القلب.
وقرأ الإخوان : خالق اسم فاعل، والأرض بالخفض.
قرأ باقي السبعة : خلق فعلاً ماضياً، والأرض بالفتح.
ومعنى بالحق قال الزمخشري : بالحكمة، والغرض الصحيح، والأمر العظيم، ولم يخلقها عبثاً ولا شهوة.
وقال ابن عطية : بالحق أي بما يحق من جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، وليدل عليه وعلى قدرته.
وقيل : بقوله وكلامه.
وقيل : بالحق حال أي محقاً، والظاهر أن قوله : يذهبكم، خطاب عام للناس.
وعن ابن عباس : خطاب للكفار.
ويأت بخلق جديد : يحتمل أن يكون المعنى : إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بناس آخرين من جنسكم آدميين، ويحتمل من غير جنسكم.
والأول قول جمهور المفسرين، وتقدم نحو هذين الاحتمالين للمفسرين في قوله في النساء :﴿ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ﴾ وبينا في ذلك أنه لا يحتمل إلا الوجه الأول.


الصفحة التالية
Icon