وأجيب بأن في كل من هذين الأمرين اختلافاً، وقد أجاز جماعة تقديم ﴿ مِنْ ﴾ البيانية وصحح ذلك لأنه إنما يفوت بالتقديم الوصفية لا البيانية، وكذا أجاز كثير كابن كيسان وغيرهم تقديم الحال على صاحبها المجرور فلعل الذاهب إلى هذا الوجه في الآية يرى رأي المجوزين لكل من التقديمين.
وقال بعض المدققين : جاز تقديم هذه الحال لأنها في الحقيقة عما سد مسده من شيء أعني بعض لا عن المجرور وحده، وفيه من البعد ما لا يخفى، وجوز أن تكون الأولى والثانية للتبعيض، والمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله تعالى ؛ والإعراب كما سبق، واختار بعضهم على هذا كون الحال عما سد مسده من شيء إذ لو جعل حالاً عن المجرور لآل الكلام إلى هل أنتم مغنون عنا بعض بعض عذاب الله تعالى ولا معنى له، وفيه أنه يفيد المبالغة في عدم الغناء كقولهم : أقل من القليل فنفي المعنى لا معنى له، ولا يصح الإلغاء إذ لا يصح أن يتعلق بفعل ظرفان من جنس دون ملابسة بينهما تصحح التبعية، وجعل الثاني بدلاً من الأول يأباه كما في "الكشف" اللفظ والمعنى ؛ وقد تعقب أبو حيان توجيه التبعيض في المكانين كما سمعت بأن ذلك يقتضي البدلية فيكون بدل عام من خاص لأن ﴿ مِن شَىْء ﴾ أعم من قوله :﴿ مِنْ عَذَابِ ﴾ وهذا لا يقال : لأن بعضية الشيء مطلقة فلا يكون لها بعض، ومما ذكرنا يعلم ما فيه.
وجوز أن تكون الأولى مفعولاً والثانية صفة مصدر سادة مسده، والشيء عبارة عن إغناء ما أي فهل أنتم مغنون عنا بعض عذاب الله بعض الإغناء.
وتعقب بأنه يلزم على هذا أن يتعلق بعامل ظرفان إلى آخر ما سمعت آنفاً، وفيه نظر لأن لكون أحدهما في تأويل المفعول به والآخر في تأويل المفعول المطلق صح التعلق ولم يكونا من جنس واحد، وقد يقال : إن تقييد الفعل بالثاني بعد اعتبار تقييده بالأول فليس العامل واحداً.
ونص الحوفي.


الصفحة التالية
Icon