وأبو البقاء على أن ﴿ مِنْ ﴾ الثانية زائدة للتوكيد وسوغ زيادتها تقدم الاستفهام الذي هو هنا في معنى النفي، و﴿ عَذَابُ الله ﴾ أما متعلق بمغنون أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من ﴿ شَىْء ﴾ أي شيئاً كائناً من عذاب الله تعالى أو مغنون من عذاب الله تعالى غناء ما ﴿ قَالُواْ ﴾ أي المستكبرون جواباً عن توبيخ الضعفاء وتقريعهم واعتذاراً عما فعلوا بهم :﴿ لَوْ هَدَانَا الله ﴾ إلى الايمان ووفقنا له ﴿ لَهَدَيْنَاكُمْ ﴾ ولكن ضللنا فضللناكم أي اهترنا لكم ما اخترنا لأنفسنا، وحاصله على ما قيل : إن ما كان منا في حكم هو النصح لكن قصرنا في رأينا، وقال الزمخشري : إنهم وركوا الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله تعالى وكذبوا في ذلك، ويدل على وقوع الكذب من أمثالهم يوم القيامة قوله تعالى حكاية عن المنافقين :
﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَىْء ﴾ [ المجادلة : ١٨ ] وقد خالف في ذلك أصول مشايخه لأنهم لا يجوزون صدور الكذب عن أهل القيامة فلا يقبل منه، وجوز أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الايمان، ونقل ذلك القاضي وزيفه كما ذكره الإمام، وقيل : المعنى لو هدانا الله تعالى إلى الرجعة إلى الدنيا فنصلح ما أفسدناه لهديناكم وهو كما ترى، وقال الجياني.
وأبو مسلم : المراد لو هدانا الله تعالى إلى طريق الخلاص من العقاب والوصول إلى النعيم والثواب لهديناكم إلى ذلك، وحاصله لو خلصنا لخلصناكم أيضاً لكن لا مطمع فيه لنا ولكم، قال الإمام : والدليل على أن المراد من الهدي هو هذا أنه الذي طلبوه والتمسوه.


الصفحة التالية
Icon