أما قوله :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان﴾ أي قدرة ومكنة وتسلط وقهر فاقهركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها، إلا أن دعوتكم أي إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني قال النحويون : ليس الدعاء من جنس السلطان فقوله :﴿إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ﴾ من جنس قولهم ما تحيتهم إلا الضرب، وقال الواحدي : إنه استثناء منقطع، أي لكن دعوتكم وعندي أنه يمكن أن يقال كلمة "إلا" ههنا استثناء حقيقي، لأن قدرة الإنسان على حمل الغير على عمل من الأعمال تارة يكون بالقهر والقسر، وتارة يكون بتقوية الداعية في قلبه بإلقاء الوساوس إليه، فهذا نوع من أنواع التسلط، ثم إن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان وعلى تعويج أعضائه وجوارحه، وعلى إزالة العقل عنه كما يقوله العوام والحشوية، ثم قال :﴿فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ يعني ما كان مني إلا الدعاء والوسوسة، وكنتم سمعتم دلائل الله وشاهدتم مجيء أنبياء الله تعالى فكان من الواجب عليكم أن لا تغتروا بقولي ولا تلتفتوا إلي فلما رجحتم قولي على الدلائل الظاهرة كان اللوم عليكم لا علي في هذا الباب.
وفي الآية مسألتان :
المسألة الأولى :
قالت المعتزلة هذه الآية تدل على أشياء : الأول : أنه لو كان الكفر والمعصية من الله لوجب أن يقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم فإن الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه.
الثاني : ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الإنسان وعلى تعويج أعضائه وعلى إزالة العقل عنه كما تقول الحشوية والعوام.
الثالث : أن هذه الآية تدل على أن الإنسان لا يجوز ذمه ولومه وعقابه بسبب فعل الغير، وعند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم.
أجاب بعض الأصحاب عن هذه الوجوه بأن هذا قول الشيطان فلا يجوز التمسك به.


الصفحة التالية
Icon