وأجاب الخصم عنه : بأنه لو كان هذا القول منه باطلاً لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره، وأيضاً فلا فائدة في ذلك اليوم في ذكر هذا الكلام الباطل والقول الفاسد.
ألا ترى أن قوله :﴿إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ كلام حق وقوله :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان﴾ قول حق بدليل قوله تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين﴾ [ الحجر : ٤٢ ].
المسألة الثانية :
هذه الآية تدل على أن الشيطان الأصلي هو النفس، وذلك لأن الشيطان بين أنه ما أتى إلا بالوسوسة، فلولا الميل الحاصل بسبب الشهوة والغضب والوهم والخيال لم يكن لوسوسته تأثير ألبتة، فدل هذا على أن الشيطان الأصلي هو النفس.
فإن قال قائل : بينوا لنا حقيقة الوسوسة.
قلنا : الفعل إنما يصدر عن الإنسان عند حصول أمور أربعة يترتب بعضها على البعض ترتيباً لازماً طبيعياً وبيانه أن أعضاء الإنسان بحكم السلامة الأصلية والصلاحية الطبيعية صالحة للفعل والترك، والإقدام والإحجام، فما لم يحصل في القلب ميل إلى ترجيح الفعل على الترك أو بالعكس فإنه يمتنع صدور الفعل، وذلك الميل هو الإرادة الجازمة، والقصد الجازم.


الصفحة التالية
Icon