ثم إن تلك الإرادة الجازمة لا تحصل إلا عند حصول علم أو اعتقاد أو ظن بأن ذلك الفعل سبب للنفع أو سبب للضرر فإن لم يحصل فيه هذا الإعتقاد لم يحصل الميل لا إلى الفعل ولا إلى الترك، فالحاصل أن الإنسان إذا أحس بشيء ترتب عليه شعوره بكونه ملائماً له أو بكونه منافراً له أو بكونه غير ملائم ولا منافر، فإن حصل الشعور بكونه ملائماً له ترتب عليه الميل الجازم إلى الفعل وإن حصل الشعور بكونه منافراً له ترتب عليه الميل الجازم إلى الترك، وإن لم يحصل لا هذا ولا ذاك لم يحصل الميل لا إلى ذلك الشيء ولا إلى ضده، بل بقي الإنسان كما كان، وعند حصول ذلك الميل الجازم تصير القدرة مع ذلك الميل موجبة للفعل.
إذا عرفت هذا فنقول : صدور الفعل عن مجموع القدرة والداعي الحاصل أمر واجب فلا يكون للشيطان مدخل فيه وصدور الميل عن تصور كونه خيراً أو تصور كونه شراً أمر واجب فلا يكون للشيطان فيه مدخل وحصول كونه خيراً أو تصوراً كونه شراً عن مطلق الشعور بذاته أمر لازم فلا مدخل للشيطان فيه، فلم يبق للشيطان مدخل في شيء من هذه المقامات إلا في أن يذكره شيئاً بأن يلقي إليه حديثه مثل أن الإنسان كان غافلاً عن صورة امرأة فيلقي الشيطان حديثها في خاطره فالشيطان لا قدرة له إلا في هذا المقام، وهو عين ما حكى الله تعالى عنه أنه قال :﴿وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلآَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى فَلاَ تَلُومُونِى﴾ يعني ما كان مني إلا مجرد هذه الدعوة فأما بقية المراتب فما صدرت مني وما كان لي فيها أثر ألبتة.
بقي في هذا المقام سؤالان :
السؤال الأول : كيف يعقل تمكن الشيطان من النفوذ في داخل أعضاء الإنسان وإلقاء الوسوسة إليه.
والجواب : للناس في الملائكة والشياطين قولان :


الصفحة التالية
Icon