وأما الصفة الرابعة : فهي قوله تعالى :﴿تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ فهذه الشجرة أولى بهذه الصفة من الأشجار الجسمانية، لأن شجرة المعرفة موجبة لهذه الأحوال ومؤثرة في حصولها والسبب لا ينفك عن المسبب فأثر رسوخ شجرة المعرفة في أرض القلب أن يكون نظره بالعبرة كما قال :﴿فاعتبروا ياأولي الأبصار﴾ [ الحشر : ٢ ] وأن يكون سماعه بالحكمة كما قال :﴿الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [ الزمر : ١٨ ] ونطقه بالصدق والصواب كما قال :﴿كُونُواْ قَوَّامِينَ بالقسط شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ [ النساء : ١٣٥ ] وقال عليه السلام :" قولوا الحق ولو على أنفسكم " وهذا الإنسان كلما كان رسوخ شجرة المعرفة في أرض قلبه أقوى وأكمل، كان ظهور هذه الآثار عنده أكثر، وربما توغل في هذا الباب فيصير بحيث كلما لاحظ شيئاً لاحظ الحق فيه، وربما عظم ترقيه فيه فيصير لا يرى شيئاً إلا وقد كان قد رأى الله تعالى قبله.
فهذا هو المراد من قوله سبحانه وتعالى :﴿تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ وأيضاً فما ذكرناه إشارة إلى الإلهامات النفسانية والملكات الروحانية التي تحصل في جواهر الأرواح، ثم لا يزال يصعد منها في كل حين ولحظة ولمحة كلام طيب وعمل صالح وخضوع وخشوع وبكاء وتذلل، كثمرة هذه الشجرة.