ثم قال :﴿وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ والمعنى : أن في ضرب الأمثال زيادة إفهام وتذكير وتصوير للمعاني، وذلك لأن المعاني العقلية المحضة لا يقبلها الحس والخيال والوهم، فإذا ذكر ما يساويها من المحسوسات ترك الحس والخيال والوهم تلك المنازعة وانطبق المعقول على المحسوس وحصل به الفهم التام والوصول إلى المطلوب.
وأما قوله تعالى :﴿وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجتثت مِن فَوْقِ الأرض مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾.
فاعلم أن الشجرة الخبيثة هي الجهل بالله، فإنه أول الآفات وعنوان المخافات ورأس الشقاوات ثم إنه تعالى شبهها بشجرة موصوفة بصفات ثلاثة :
الصفة الأولى : أنها تكون خبيثة فمنهم من قال إنها الثوم، لأنه ﷺ وصف الثوم بأنها شجرة خبيثة، وقيل : إنها الكراث.
وقيل : إنها شجرة الحنظل لكثرة ما فيها من المضار وقيل : إنها شجرة الشوك.
واعلم أن هذا التفصيل لا حاجة إليه، فإن الشجرة قد تكون خبيثة بحسب الرائحة وقد تكون بحسب الطعم، وقد تكون بحسب الصورة والمنظر وقد تكون بحسب اشتمالها على المضار الكثيرة والشجرة الجامعة لكل هذه الصفات وإن لم تكن موجودة، إلا أنها لما كانت معلومة الصفة كان التشبيه بها نافعاً في المطلوب.
والصفة الثانية : قوله :﴿اجتثت مِن فَوْقِ الأرض﴾ وهذه الصفة في مقابلة قوله :﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ ومعنى اجتثت استؤصلت وحقيقة الإجتثاث أخذ الجثة كلها، وقوله :﴿مِن فَوْقِ الأرض﴾ معناه : ليس لها أصل ولا عرق، فكذلك الشرك بالله تعالى ليس له حجة ولا ثبات ولا قوة.
والصفة الثالثة : قوله ما لها من قرار، وهذه الصفة كالمتممة للصفة الثانية، والمعنى أنه ليس لها استقرار.
يقال : قر الشيء قراراً كقولك : ثبت ثباتاً، شبه بها القول الذي لم يعضد بحجة فهو داحض غير ثابت.


الصفحة التالية
Icon