ومعنى كون الإخراج بسببه أن الله تعالى أودع فيه قوة مؤثرة بإذنه في ذلك حسبما جرت به حكمته الباهرة مع غناه الذاتي سبحانه عن الاحتياج إليه في الإخراج، وهذا هو رأي السلف الذي رجع إليه الأشعري كما حقق في موضعه، وزعم من زعم أن المراد أخرج عنده والتزموا هذا التأويل في ألوف من المواضع وضللوا القائلين بأن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة مؤثرة في شيء ما حتى قالوا : إنهم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان، وأولئك عندي أقرب إلى الجنون وسفاهة الرأي.
و﴿ الثمرات ﴾ يراد بها ما يراد من جمع الكثرة لأن صيغ الجموع يتعاور بعضها موضع بعض أو لأنه أريد بالمفرد جماعة الثمرة التي في قولك : أكلت ثمرة بستان فلان، وقد تقدم لك ما ينفعك تذكرة في هذا المقام فتذكر ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك ﴾ السفن بأن أقدركم على صنعتها واستعمالها بما ألهمكم كيفية ذلك، وقيل : بأن جعلها لا ترسب في الماء ﴿ لِتَجْرِىَ فِى البحر ﴾ حيث توجهتم ﴿ بِأَمْرِهِ ﴾ بمشيئته التي بها نيط كل شيء، وتخصيصه بالذكر على ما ذكره بعض المحققين للتنصيص على أن ذلك ليس بمزاولة الأعمال واستعمال الآلات كما يتراءى من ظاهر الحال، ويندرج في تسخير الفلك كما في البحر تسخيره وكذا تسخير الرياح ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾ جعلها معدة لانتفاعكم حيث تشربون منها وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم وما أشبه ذلك، هذا إذا أريد بالأنهار المياه العظيمة اجلارية في المجاري المخصوصة وأما إذا أريد بها نفس المجاري فتسخيرها تيسيرها لهم لتجري فيها المياه.
﴿ وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دَائِبَينَ ﴾
أي دائمين في الحركة لا يفتران إلى انقضاء عمر الدنيا.
أخرج ابن أبي حاتم.


الصفحة التالية
Icon