وقال الشيخ الشعراوى :
وبعد أن بيَّن لنا الحق سبحانه السعداء وبيَّنَ الأشقياء، وضرب المَثل بالكلمة الطيبة، وضرب المثَل بالكلمة الخبيثة، يأتي من بعد ذلك بما يهيج في المؤمن فرحةً في نفسه ؛ لأنه آمن بالله الذي صنع كل تلك النعم، ويذكر نعماً لا يشترك فيها مع الله أحد أبداً، فيقول :﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض... ﴾.
والسماء والأرض - كما نعلم - هما ظَرْفَا الحياة لنا كلنا، وقد قال الحق سبحانه :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس... ﴾ [ غافر : ٥٧ ].
فإذا كان الله هو الذي خلق السماوات والأرض ؛ فهذا لَفْتٌ لنا على الإجمال ؛ لأنه لم يَقُلْ لنا ما قاله في مواضع أخرى من القرآن الكريم بأنها من غير عَمَد ؛ وليس فيها فُطور، ولم يذكر هنا أنه خلق في الأرض رواسي كي لا تميد بنا الأرض، ولم يذكر كيف قَدَّر في الأرض أقواتها، واكتفى هنا بلمحة عن خَلق السماوات والأرض.
وحين يتكلم سبحانه هنا عن خَلْق السماوات يأتي بشيء لم يدَّعه أحد على كثرة المُدَّعين من الملاحدة ؛ وذلك لتكون ألزم في الحجِة للخَصْم، وبذلك كشفَ لهم حقيقة عدم إيمانهم ؛ وجعلهم يروْنَ أنهم كفروا نتيجة لَددٍ غير خاضع لمنطق ؛ وهو كفر بلا أسباب.
وحين يحكم الله حُكْماً لا يوجد لا معارض ولا منازع، فهذا يعني أن الحكم قد سلَم له سبحانه. ولم يجترئ أحد من الكافرين على ما قاله الله ؛ وكأن الكافر منهم قد أدار الأمر في رأسه، وعلم أن أحداً لم يَدَّع لنفسه خَلْق السماوات والأرض ؛ ولا يجد مفرّاً من التسليم بأن الله هو الذي خلق السماوات والأرض.
وقول الحق سبحانه هنا :
﴿ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض... ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ ].
يُوضِّح لنا أن كلمة " الله " هنا ؛ لأنها مَناطُ الصعوبة في التكليف ؛ فالتكليف يقف أمام الشهوات ؛ وقد تغضبون من التكليف ؛ ولكنه يحميكم من بعضكم البعض، ويكفل لكم الأمان والحياة الطيبة.


الصفحة التالية
Icon