وفي آية أخرى سورة النحل جاء بِذكْر النعم، ورغم ظُلْمنا إلا أن رحمته سبحانه وَسِعَتْنا، ولم يمنع عنَّا ما أسبغه علينا من نعم، وكأنه سبحانه يُوضِّح لنا : إياكم أنْ تستحُوا أنْ تسألوني شيئاً ؛ وإنْ كنتم قد ظلمتُم وكفرتُم في أشياء، فظُلْمكم يقابله غفران منّى، وكافريتكم يقابلها منى رحمة، وهكذا لا يوجد تعارضٌ بين الآيتين ؛ بل كُل تذييل لكل آية مناسبٌ لها، ففي الآية الأولى يعاملنا الله بعدله، وفي الآية الثانية يعاملنا الله بفضله.
ونلحظ أن الحق سبحانه قد قال هنا :
﴿ إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ]
ونعلم أن هناك أناساً قد آمنوا بالله وبنعمه، ويشكرون الله عليها، فكيف يَصِف الحق سبحانه الإنسان بأنه ظَلوم كفَّار؟
ونقول : إن كلمة " إنسان " إذا أُطلِقتْ من غير استثناء فهي تنصرف إلى الخُسْران والحياة بلا منهج ؛ ودون التفات للتفكير في الكون.
والحق سبحانه حين أراد أن يُوضِّح لنا ذلك قال :﴿ والعصر * إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ ﴾ [ العصر : ١-٢ ].
ولذلك جاء سبحانه بالاستثناء بعدها، فقال :﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر ﴾ [ العصر : ٣ ]. أ هـ ﴿تفسير الشعراوى صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon