فصل
قال الفخر :
﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾
اعلم أنه تعالى لما أمر الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين في هذه الآية بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال، وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ حمزة والكسائي ﴿لِّعِبَادِىَ﴾ بسكون الياء، والباقون : بفتح الياء لالتقاء الساكنين فحرك إلى النصب.
المسألة الثانية :
في قوله :﴿يُقِيمُواْ﴾ وجهان : الأول : يجوز أن يكون جواباً لأمر محذوف هو المقول تقديره : قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا.
الثاني : يجوز أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه لام الأمر، أي ليقيموا كقولك : قل لزيد ليضرب عمراً وإنما جاز حذف اللام، لأن قوله :﴿قُلْ﴾ عوض منه ولو قيل ابتداء يقيموا الصلاة لم يجز.
المسألة الثالثة :
أن الإنسان بعد الفراغ من الإيمان لا قدرة له على التصرف في شيء إلا في نفسه أو في ماله.
أما النفس فيجب شغلها بخدمة المعبود في الصلاة وأما المال فيجب صرفه إلى البذل في طاعة الله تعالى.
فهذه الثلاثة هي الطاعات المعتبرة، وهي الإيمان والصلاة والزكاة وتمام ما يجب أن يقال في هذه الأمور الثلاثة ذكرناه في قوله تعالى :﴿الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾ [ البقرة : ٣ ].
المسألة الرابعة :
قالت المعتزلة : الآية تدل على أن الرزق لا يكون حراماً، لأن الآية دلت على أن الإنفاق من الرزق ممدوح، ولا شيء من الإنفاق من الحرام بممدوح فينتج أن الرزق ليس بحرام.
وقد مر تقرير هذا الكلام مراراً.
المسألة الخامسة :
في انتصاب قوله :﴿سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ وجوه : أحدها : أن يكون على الحال أي ذوي سر وعلانية بمعنى مسرين ومعلنين.
وثانيها : على الظرف أي وقت سر وعلانية.