البحث الأول : اعلم أن القرآن يدل على أنه تعالى إنما أعطى إبراهيم عليه السلام هذين الولدين أعني إسمعيل وإسحق على الكبر والشيخوخة، فأما مقدار ذلك السن فغير معلوم من القرآن وإنما يرجع فيه إلى الروايات فقيل لما ولد إسماعيل كان سن إبراهيم تسعاً وتسعين سنة، ولما ولد إسحق كان سنه مائة واثنتي عشرة سنة وقيل ولد له إسمعيل لأربع وستين سنة وولد إسحق لتسعين سنة، وعن سعيد بن جبير : لم يولد لإبراهيم إلا بعد مائة وسبع عشرة سنة، وإنما ذكر قوله :﴿عَلَى الكبر﴾ لأن المنة بهبة الولد في هذا السن أعظم، من حيث إن هذا الزمان زمان وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة في وقت اليأس من أعظم النعم، ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم.
فإن قيل : إن إبراهيم عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء عندما أسكن إسمعيل وهاجر أمه في ذلك الوادي، وفي ذلك الوقت ما ولد له إسحق فكيف يمكنه أن يقول :﴿الحمد للَّهِ الذى وَهَبَ لِى عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق ﴾.
قلنا قال القاضي : هذا الدليل يقتضي أن إبراهيم عليه السلام إنما ذكر هذا الكلام في زمان آخر لا عقيب ما تقدم من الدعاء.
ويمكن أيضاً أن يقال : إنه عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء بعد كبر إسمعيل وظهور إسحق وإن كان ظاهر الروايات بخلافه.
البحث الثاني : على في قوله :﴿عَلَى الكبر﴾ بمعنى مع كقول الشاعر :
إني على ما ترين من كبري.. أعلم من حيث يؤكل الكتف
وهو في موضع الحال ومعناه : وهب لي في حال الكبر.


الصفحة التالية
Icon