ولما تقررت عظمة ذلك اليوم الذي تشخص فيه الأبصار، وكان أعظم يوم يظهر فيه الانتقام، بينه بقوله :﴿يوم تبدل﴾ أي تبديلاً غريباً عظيماً ﴿الأرض﴾ أي هذا الجنس ﴿غير الأرض﴾ أي التي تعرفونها ﴿والسماوات﴾ بعد انتشار كواكبها وانفطارها وغير ذلك من شؤونها ؛ والتبديل : تغيير الشيء أو صفته إلى بدل ﴿وبرزوا﴾ أي الظالمون الذين كانوا يقولون : إنهم لا يعرضون على الله للحساب ؛ والبروز : ظهور الشخص مما كان ملتبساً به ﴿لله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿الواحد﴾ الذي لا شريك له ﴿القهار﴾ الذي لا يدافعه شيء عن مراده، فصاروا بذلك البروز بحيث لا يشكون أنه لا يخفى منهم خافية، وأما المؤمنون فلم يزالوا يعلمون ذلك : روى مسلم والترمذي عن عائشة ـ رضى الله عنهم ـ ا قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن قوله تعالى :﴿يوم تبدل الأرض﴾ الآية قلت : يا رسول الله فأين يكون للناس يومئذ؟ قال : على الصراط.
ولما ذكر بروزهم له ذكر حالهم في ذلك البروز فقال :﴿وترى المجرمين﴾ أي وتراهم، ولكنه أظهر لتعدد صفاتهم التي أوجبت لهم الخزي ؛ والإجرام : قطع ما يجوز من العمل بفعل ما لا يجوز ﴿يومئذ﴾ أي إذ كانت هذه الأمور العظام ﴿مقرنين﴾ أي مجموعاً كل منهم إلى نظيره، أو مجموعة أيديهم إلى أعناقهم جمعاً فيه شدة وضيق ﴿في الأصفاد﴾ أي القيود، والمراد هنا الأغلال، أي السلاسل التي تجمع الأيدي فيها إلى الأعناق ويقرنون فيها مع أشكالهم ؛ ثم بين لباسهم بقوله :﴿سرابيلهم﴾ أي قمصهم السابغة ﴿من قطران﴾ وهو ما يهنأ به الإبل، ومن شأنه أنه سرع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح.


الصفحة التالية
Icon